الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (نسخة منقحة)
.[الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ]: [السَّفَرُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَصْرُ]: وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ أَوْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِدَلِيلِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَبَرَ الْمَشَقَّةَ أَوْ ظَاهِرَ لَفْظِ السَّفَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سَفَرٍ وَسَفَرٍ. وَأَمَّا مَنِ اعْتَبَرَ دَلِيلَ الْفِعْلِ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي السَّفَرِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقْصُرْ قَطُّ إِلَّا فِي سَفَرٍ مُتَقَرَّبٍ بِهِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَعْصِيَةِ فَعَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: هَلْ تَجُوزُ الرُّخَصُ لِلْعُصَاةِ أَمْ لَا؟ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَارَضَ فِيهَا اللَّفْظُ الْمَعْنَى، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا لِذَلِكَ. .[الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ]: [الْمَوْضِعُ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ بِالْقَصْرِ]: .[الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ]: [مُدَّةُ الْقَصْرِ]: أَحَدُهَا: مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ إِنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ الْمُسَافِرُ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ. وَالثَّانِي: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ. وَالثَّالِثُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَدَاوُدَ أَنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ. وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ أَمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى التَّحْدِيدِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلِذَلِكَ رَامَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَنْ يَسْتَدِلُّوا لِمَذْهَبِهِمْ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ أَقَامَ فِيهَا مُقْصِرًا، أَوْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا حُكْمَ الْمُسَافِرِ. فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ: احْتَجُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا يَقْصُرُ فِي عُمْرَتِهِ»، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ النِّهَايَةُ لِلتَّقْصِيرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا دُونَهَا. وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: احْتَجُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ مُقْصِرًا، وَذَلِكَ نَحْوًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِكُلٍّ قَالَ فَرِيقٌ. وَالْفَرِيقُ الثَّالِثُ: احْتَجُّوا بِمَقَامِهِ فِي حَجِّهِ بِمَكَّةَ مُقْصِرًا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَدِ احْتَجَّتِ الْمَالِكِيَّةُ لِمَذْهَبِهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْمُهَاجِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ مُقَامَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ. فَدَلَّ هَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَتْ تَسْلُبُ عَنِ الْمُقِيمِ فِيهَا اسْمَ السَّفَرَ، وَهِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي ذَهَبَ الْجَمِيعُ إِلَيْهَا، وَرَامُوا اسْتِنْبَاطَهَا مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (أَعْنِي: مَتَى يَرْتَفِعُ عَنْهُ بِقَصْدِ الْإِقَامَةِ اسْمُ السَّفَرِ) وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْإِقَامَةُ مُدَّةً لَا يَرْتَفِعُ فِيهَا عَنْهُ اسْمُ السَّفَرِ بِحَسْبِ رَأْيِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَعَاقَهُ عَائِقٌ عَنِ السَّفَرِ أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا، وَإِنْ أَقَامَ مَا شَاءَ اللَّهُ. وَمَنْ رَاعَى الزَّمَانَ الْأَقَلَّ مِنْ مَقَامِهِ تَأَوَّلَ مَقَامَهُ فِي الزَّمَانِ الْأَكْثَرِ مِمَّا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، فَقَالَتِ الْمَالِكِيَّةُ مَثَلًا إِنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي أَقَامَهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: عَامَ الْفَتْحِ إِنَّمَا أَقَامَهَا، وَهُوَ أَبَدًا يَنْوِي أَنَّهُ لَا يُقِيمُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَلْزَمُهُمْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي حَدُّوهُ، وَالْأَشْبَهُ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي هَذَا أَنْ يَسْلُكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَجْعَلَ الْحُكْمَ لِأَكْثَرِ الزَّمَانِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ أَقَامَ فِيهِ مُقْصِرًا، وَيَجْعَلَ ذَلِكَ حَدًّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِتْمَامُ، فَوَجَبَ أَلَّا يُزَادَ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، أَوْ يَقُولَ إِنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا هُوَ أَقَلُّ الزَّمَانِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَامَ مُقْصِرًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لِلْمُسَافِرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَامَهُ بِنِيَّةِ الزَّمَانِ الَّذِي تَجُوزُ إِقَامَتُهُ فِيهِ مُقْصِرًا بِاتِّفَاقٍ، فَعَرَضَ لَهُ أَنْ قَامَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ وَجَبَ الْتَمَسُّكُ بِالْأَصْلِ، وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ أَبَدًا إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْمَ السَّفَرِ وَاقِعٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْدَمَ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، فَهَذِهِ أُمَّهَاتُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْقَصْرِ. .الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ: إِحْدَاهَا: جَوَازُهُ. وَالثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الْجَمْعِ. وَالثَّالِثَةُ: فِي مُبِيحَاتِ الْجَمْعِ. .[الْمَسْأَلَةُ الأُولَى]: [جَوَازُ الْجَمْعِ بين الصلاتين]: وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ، فَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا مِنَ الَّتِي لَا يَجُوزُ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بِإِطْلَاقٍ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: أَوَّلًا: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ الْآثَارِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي الْجَمْعِ وَالِاسْتِدْلَالِ مِنْهَا عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهَا كُلَّهَا أَفْعَالٌ وَلَيْسَتْ أَقْوَالًا، وَالْأَفْعَالُ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَثِيرًا أَكْثَرَ مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى اللَّفْظِ. وَثَانِيًا: اخْتِلَافُهُمْ أَيْضًا فِي تَصْحِيحِ بَعْضِهَا، وَثَالِثًا اخْتِلَافُهُمْ فِي إِجَازَةِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ كَمَا تَرَى. أَمَّا الْآثَارُ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ الثَّابِتُ بِاتِّفَاقٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ»، وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ». وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ خَرَّجَهُ مَالِكٌ، وَمُسْلِمٌ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ». فَذَهَبَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِلَى أَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَصِّ بِهَا وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَوْقَعَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَصَلَاةَ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ قَالُوا: وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ حَمْلُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّهُ قَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْحَضَرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ: (أَعْنِي: أَنْ تُصَلَّى الصَّلَاتَانِ مَعًا فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا) وَاحْتَجُّوا لِتَأْوِيلِهِمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً قَطُّ إِلَّا فِي وَقْتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ». قَالُوا: وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْآثَارُ مُحْتَمِلَةٌ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ نَحْنُ أَوْ مَا تَأَوَّلْتُمُوهُ أَنْتُمْ. وَقَدْ صَحَّ تَوْقِيتُ الصَّلَاةِ وَتِبْيَانُهَا فِي الْأَوْقَاتِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ عَنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِي تَصْحِيحِهِ، فَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ «أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ: فَأَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَظْهَرَ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فِي إِجَازَةِ الْجَمْعِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَدَّمَ الْعِشَاءَ إِلَى وَقْتِ الْمَغْرِبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا، وَصَلَّى الْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لَفْظُ الرَّاوِي مُحْتَمِلٌ. وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي إِجَازَةِ الْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَنْ يُلْحَقَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فِي السَّفَرِ بِصَلَاةِ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، (أَعْنِي: أَنْ يُجَازَ الْجَمْعُ قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ)، فَيُقَالُ مَثَلًا: صَلَاةٌ وَجَبَتْ فِي سَفَرٍ، فَجَازَ أَنْ تُجْمَعَ. أَصْلُهُ جَمْعُ النَّاسِ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: (أَعْنِي جَوَازَ هَذَا الْقِيَاسِ) لَكِنَّ الْقِيَاسَ فِي الْعِبَادَاتِ يَضْعُفُ، فَهَذِهِ هِيَ أَسْبَابُ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ. .[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ]: [صِفَةُ الْجَمْعِ]: .[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ]: [مُبِيحَاتُ الْجَمْعِ]: وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّ مَالِكًا وَأَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ لَا يُجِيزُونَهُ، وَأَجَازَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي مَطَرٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِعُمُومِهِ مُطْلَقًا. وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ زِيَادَةً فِي حَدِيثِهِ، وَهُوَ قَوْلُه: «فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا مَطَرٍ» وَبِهَذَا تَمَسَّكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ. وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ لِعُذْرِ الْمَطَرِ، فَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَمَنَعَهُ مَالِكٌ فِي النَّهَارِ، وَأَجَازَهُ فِي اللَّيْلِ، وَأَجَازَهُ أَيْضًا فِي الطِّينِ دُونَ الْمَطَرِ فِي اللَّيْلِ، وَقَدْ عَذَلَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي تَفْرِيقِهِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ فِي ذَلِكَ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ وَتَأَوَّلَهُ: (أَعْنِي: خَصَّصَ عُمُومَهُ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ) وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ» أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ قَالَ: فَلَمْ يَأْخُذْ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلَا بِتَأْوِيلِهِ: (أَعْنِي تَخْصِيصَهُ) بَلْ رَدَّ بَعْضَهُ وَتَأَوَّلَ بَعْضَهُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِيهِ: «جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ: «وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» وَتَأَوَّلَهُ وَأَحْسَبُ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّمَا رَدَّ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ عَارَضَهُ الْعَمَلُ، فَأَخَذَ مِنْهُ بِالْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يُعَارِضْهُ الْعَمَلُ، وَهُوَ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، جَمَعَ مَعَهُمْ، لَكِنَّ النَّظَرَ فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ كَيْفَ يَكُونُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مُتَقَدِّمِي شُيُوخِ الْمَالِكِيَّةِ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ، فَإِنَّ إِجْمَاعَ الْبَعْضِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَكَانَ مُتَأَخِّرُوهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ مِنْ بَابِ نَقْلِ التَّوَاتُرِ، وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِالصَّاعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا نَقَلَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَالْعَمَلُ إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ، وَالْفِعْلُ لَا يُفِيدُ التَّوَاتُرَ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْقَوْلِ فَإِنَّ التَّوَاتُرَ طَرِيقَةُ الْخَبَرِ لَا الْعَمَلَ، وَبِأَنَّ جَعْلَ الْأَفْعَالِ تُفِيدُ التَّوَاتُرَ عَسِيرٌ بَلْ لَعَلَّهُ مَمْنُوعٌ، وَالْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْبَلْوَى الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْثَالُ هَذِهِ السُّنَنِ مَعَ تَكَرُّرِهَا، وَتَكَرُّرِ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ، وَيَذْهَبُ الْعَمَلُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الْعَمَلَ بِالسُّنَنِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَهُوَ أَقْوَى مِنْ عُمُومِ الْبَلْوَى الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحْرَى أَنْ لَا يَذْهَبَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ يَعْتَبِرُهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي طَرِيقِ النَّقْلِ، وَبِالْجُمْلَةِ الْعَمَلُ لَا يُشَكُّ أَنَّهُ قَرِينَةٌ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّيْءِ الْمَنْقُولِ إِنْ وَافَقَتْهُ أَفَادَتْ بِهِ غَلَبَةَ ظَنٍّ، وَإِنْ خَالَفَتْهُ أَفَادَتْ بِهِ ضَعْفَ ظَنٍّ، فَأَمَّا هَلْ تَبْلُغُ هَذِهِ الْقَرِينَةُ مَبْلَغًا تُرَدُّ بِهَا أَخْبَارُ الْآحَادِ الثَّابِتَةُ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَسَى أَنَّهَا تَبْلُغُ فِي بَعْضٍ وَلَا تَبْلُغُ فِي بَعْضٍ لِتَفَاضُلِ الْأَشْيَاءِ فِي شِدَّةِ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ السُّنَّةُ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا أَمَسُّ وَهِيَ كَثِيرَةُ التَّكْرَارِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَانَ نَقْلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ قَوْلًا أَوْ عَمَلًا فِيهِ ضَعْفٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَإِمَّا أَنَّ النَّقْلَ فِيهِ اخْتِلَالٌ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْمُتَكَلِّمُونَ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ لِلْمَرِيضِ فَإِنَّ مَالِكًا أَبَاحَهُ لَهُ إِذَا خَافَ أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ كَانَ بِهِ بَطَنٌ وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَعَدِّي عِلَّةِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ: (أَعْنِي: الْمَشَقَّةَ)، فَمَنْ طَرَّدَ الْعِلَّةَ رَأَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَى الْمَرِيضِ فِي إِفْرَادِ الصَّلَوَاتِ أَشَدُّ مِنْهَا عَلَى الْمُسَافِرِ، وَمَنْ لَمْ يُعَدِّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَجَعَلَهَا كَمَا يَقُولُونَ قَاصِرَةً: (أَيْ: خَاصَّةً بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ) لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ. .الْبَابُ الْخَامِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: .[حُكْمُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]: .[صِفَةُ صَلَاةِ الْخَوْفِ]: .[الصِّفَةُ الْأُولَى]: .[الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ]: .وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: .وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: .وَالصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، فَصَلَّى بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا شَيْئًا. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ مُخَالَفَةً كَثِيرَةً. وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ:الصَّلَاةُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعٌ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. (وَأَجَازَ هَذِهِ الصِّفَةَ الثَّوْرِيُّ). .وَالصِّفَةُ السَّادِسَةُ: .وَالصِّفَةُ السَّابِعَةُ: .الْبَابُ السَّادِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ: وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ: هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الْقِيَامِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَوْ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ؟ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ نَصٌّ، وَأَمَّا صِفَةُ الْجُلُوسِ في صلاة المريض فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَجْلِسُ مُتَرَبِّعًا: (أَعْنِي: الْجُلُوسَ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْقِيَامِ) وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُلُوسَ مُتَرَبِّعًا، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّرْبِيعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَمَنْ كَرِهَهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُلُوسِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا صِفَةُ صَلَاةِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَلَا عَلَى الْجُلُوسِ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا يُصَلِّي مُضْطَجِعًا، وَقَوْمٌ قَالُوا: يُصَلِّي كَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ، وَقَوْمٌ قَالُوا: يُصَلِّي مُسْتَقْبِلًا رِجْلَاهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَقَوْمٌ قَالُوا: إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجُلُوسَ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عَلَى جَنْبِهِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ إِلَى الْقِبْلَةِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. .الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبْرِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي الْإِعَادَةِ. الْبَابُ الثَّانِي: فِي الْقَضَاءِ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي الْجُبْرَانِ الَّذِي يَكُونُ بِالسُّجُودِ. .الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي الْإِعَادَةِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ: .[الْمَسْأَلَةُ الأُولَى]: [الْحَدَثُ]: وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي جَوَازِ ذَلِكَ أَثَرٌ عَنِ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِنَّمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَعَفَ فِي الصَّلَاةِ فَبَنَى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. فَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنَ الصَّحَابِيِّ يَجْرِي مَجْرَى التَّوْقِيفِ إِذْ لَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِقِيَاسٍ أَجَازَ هَذَا الْفِعْلَ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الرُّعَافَ لَيْسَ بِحَدَثٍ أَجَازَ الْبِنَاءَ فِي الرُّعَافِ فَقَطْ، وَلَمْ يُعَدِّهِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَدَثٌ أَجَازَ الْبِنَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحْدَاثِ قِيَاسًا عَلَى الرُّعَافِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا انْصَرَفَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا فَعَلَ فِيهَا فِعْلًا كَثِيرًا لَمْ يُجِزِ الْبِنَاءَ لَا فِي الْحَدَثِ وَلَا فِي الرُّعَافِ. .الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: [الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي]: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ. وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ: مُعَارَضَةُ الْقَوْلِ لِلْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ»، وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَرِضَةً كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ يُصَلِّي» وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ أُبَيٍّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ إِذَا صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ، وَلَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَمُرَّ خَلْفَ السُّتْرَةِ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمَأْمُومِ لِثُبُوتِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ قَالَ: «لَقَدْ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصُّفُوفِ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ ذَلِكَ أَحَدٌ» وَهَذَا عِنْدَهُمْ يَجْرِي مَجْرَى الْمُسْنَدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَإِنَّمَا اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، لِمَا جَاءَ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيه: «فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». .الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: [النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ]: وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَرَدُّدُ النَّفْخِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا أَوْ لَا يَكُونَ كَلَامًا. .الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: [الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ]:
|